ورد الصوفية ودليله من الكتاب والسنة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم .
الوِرد بالكسر، كما في المصباح : الوظيفة من قراءة ونحو ذلك، والجمع أوراد . ويطلقه الصوفية على أذكار يأمر الشيخ تلميذه بذكرها صباحا بعد صلاة الصبح ، ومساء بعد صلاة المغرب.
والوارد في اللغة : هو الطارق والقادم، يقال ورد علينا فلان أي قدم. وفي الاصطلاح : مايتحفه الحق سبحانه وتعالى قلوب أوليائه من النفحات الإلهية، فيكسبه قوة محركة ، وربما يدهشه، أو يغيبه عن حسه، ولايكون إلا بغتة، ولايدوم على صاحبه.
والورد يضم ثلاث صيغ من صيغ الذكر المطلوبة شرعا، والتي دعا إليها كتاب الله تعالى، وبينت سنة نبيه صلى الله عليه وسلم الشريفة فضلها ومثوبتها.
الاستغفار : بصيغة [ استغفر الله] مائة مرة ، بعد محاسبة النفس على الزلات لتعود صفحة الاعمال نقية بيضاء. وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله: ( وماتقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم) المزمل :20
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الاستغفار تعليماً لأمته وتوجيهاص لها، كما روى أبو هريرة رضي الله عنه قوله ( والله إني استغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الدعوات
وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( طوبى لمن وجد في صحيفته استغفاراً كثيراً) اخرجه ابن ماجه في كتاب الأدب وقال في "الزوائد" :اسناده صحيح ورجاله ثقات.
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: بصيغة [اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم ] مائة مرة مع استحضار عظمته صلى الله عليه وسلم، وتذكر صفاته وشمائله، والتعلق بجنابه الرفيع، محبة وتشوقاً.
وقد أمرنا الله تعالى بذلك بقوله: ( إن الله وملائكته يصلون على النبي ،ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه مسلموا تسليما) الاحزاب :56
وكذلك رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم بكثرة الصلاة والسلام عليه فقال: ( من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشراً) رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، والنسائي في كتاب الافتتاح.
وروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشر صلوات وحطت عنه عشر سيئات ورفعت له عشر درجات) أخرجه النسائي في كتاب الافتتاح
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً : ( أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليَّ صلاة) رواه الترمذي في كتاب أبواب الصلاة وقال حديث حسن .
كلمة التوحيد : بصيغة [ لا إله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير] مئة مرة، أو [ لاإله إلا الله] فقط مائة مرة. مع التفكير بأنه لاخالق ولارازق ولانافع ولاضار ولاقابض ولاباسط.. إلا الله وحده ، مع محاولة محمو مايسيطر على القلب من حب الدنيا والأهواء والشهوات والوساوس والشواغل والعلائق والعوائق الكثيرة حتى يكون القلب لله وحده لالسواه.
ولهذا دعانا الله تعالى إلى هذا التوحيد الخالص فقال: ( فاعلم أنه لاإلـه إلا الله) محمد :19
وكذلك رغبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في الإكثار من ترداد كلمة التوحيد، وبين أفضليتها ومثوبتها؛ فقال :( أفضل الذكر لاإله إلا الله) رواه الترمذي في كتاب الدعوات وقال حديث حسن.
يقول العلامة ابن علان في شرح هذا الحديث:( إنها [ أي لاإله إلا الله] توثر تأثيرا بينا في تطهير القلب عن كل وصف ذميم راسخ في باطن الذكر، وسببه أن لاإله نفي لجميع أفراد الآلهة، وإلا الله إثبات للواحد الحق الواجب لذاته المنزه عن كل ما لايليق بجلاله، فبإدمان الذكر لهذه ينعكس الذكر من لسان الذاكر إلى باطنه، حتى يتمكن فيه فيضيئه ويصلحه ثم يضيء ويصلح سائر الجوارح ولذا أمر المريد وغيره بإكثارها والدوام عليها) الفتوحات الربانية على الاذكار النووية للعلامة ابن علان الصديقي ج1/ص213
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( جددوا إيمانكم ، قيل: يارسول الله وكيف نجدد إيماننا؟ قال أكثروا من قول لاإله إلا الله) رواه الإمام احمد في مسندهج2/ص359
وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً:( من قال لاإله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه) رواه البخاري في كتاب الدعوات ومسلم في كتاب الذكر والترمذي في كتاب الدعوات
مع ملاحظة أن هذا الورد يكون في الصباح والمساء في جلسة يخلو فيها العبد بربه، وبذلك يكون قد افتتح نهاره بذكر الله تعالى وختمه بذكره وطاعته لعله يكون من الذين قال الله تعالى فيهم :( والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما) الأحزاب:35
وهكذا تلقينا عن شيخنا سيدي محمد الهاشمي رحمه الله تعالى كما تلقاه هو أيضاً عن شيخه .......
فصل : ولما كان الورد سبيل السالكين إلى الله تعالى قعد الشيطان في طريقهم يصدهم عن ذكر الله بحجج شتى ومغالطات خفية وتلبيسات متنوعة فقد يترك بعض المريدين قراءة أورادهم محتجين بكثرة أعمالهم وعدم فراغهم لها، ويوحي إليهم شيطانهم أن هذا عذر مشروع وتبرير مقبول وأنه لابأس بتأجيل الوراد لوقت الفراغ.
ولكن السادة الصوفية حذروا السالكين من الإهمال والتسويف وانتظار الفراغ لأن العمر سرعان ماينتهي والمشاغل لاتزال في تجدد.
قال ابن عطاء في حكمه :( إحالتك الأعمال على وجود الفراغ من رعونة النفس)
وقال الشارح ابن عجيبة :( فالواجب على الانسان أن يقطع علائقه وعوائقه ويبادر إلىخدمة مولاه ولاينتظر وقتاً آخر إذ الفقير[الصوفي] ابن وقته) ايقاظ الهمم في شرح الحكم ج1/ص49
وقد يزين الشيطان لبعض السالكين أن يتركوا الذكر بحجة ان ذكرهم لايسلم من الوساوس، والذكر لايفيد إلا إذا كان الذاكر حاضر القلب مع الله تعالى. ولكن مرشدي السادة الصوفية حذروا مريديهم من هذا المدخل الشيطاني الخطير، فقال ابن عطاء الله السكندري:( لاتترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه، لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة إلى ذكر مع وجود يقظة، ومن ذكر مع حضور إلى ذكر مع وجود غيبة عما سوى المذكور، وماذلك على الله بعزيز.) إيقاظ الهمم ج1/ص79
قال أبو الحسن الدارج رحمه الله :( ذكَرَ الجنيد أهل المعرفة بالله، ومايراعونه من الأوراد والعبادات بعد ماأتحفهم الله به من الكرامات، فقال الجنيد رضي الله عنه: العبادة على العارفين أحسن من التيجان على رؤس الملوك. وقد رأى رجل الجنيد رضي الله عنه وفي يده سبحة، فقال له: أنت مع شرفك تأخذ في يدك سبحة ؟ فقال : نعم، سبب وَصَّلَنا إلى ماوصلنا فلانتركه أبداً) إيقاظ الهمم ج1/ص162
قال ابن عطاء الله :( لايستحقر الورد إلا جهول ، الوارد يوجد في الدار الآخرة، والورد ينطوي بانطواء هذه الدار وأولى مايعتنى به ما لا يُخلف وجوده، الورد هو طالبه منك والوارد أنت تطلبه منه، وأين ماهو طالبه منك مما هو مطلبك منه.) إيقاظ الهمم ج1/ص160
وأخيرا فإن المريد إذا ترك ورده لسبب من الأسباب السابقة، ثم عاد إلى يقظته والتزام عهده ، فلاينبغي أن يقنط من رحمة الله تعالى نتيجة تقصيره ه، بل عليه أن يتوب إلى الله تعالى ثم يقضي مافاته من أوراد، إذ الأوراد تقضى كسائر العبادات والطاعات.
قال الإمام النووي :( ينبغي لمن كان له وظيفة من الذكر في وقت من ليل أو نهار او عقب صلاة أو حالة من الأحوال ففاتته، ان يتداركها ويأتي بها إذا تمكن منها، ولايهملها ، فإنه إذا اعتاد الملازمة عليها لم يعرضها للتفويت. وإذا تساهل في قضائها سهل عليه تضييعها في وقتها. وقد ثبت في صحيح مسلم (كتاب صلاة المسافرين وقصرها) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( من نام عن حزبه أو عن شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل) الأذكار للنووي ص13
من كتاب حقائق عن التصوف لسيدي عبد القادر عيسى قدس الله سره